الشفافية ... كيف تتحقق في البورصة الكويتية؟

عبد الله العنزي

ظهرت في الفترة الماضية بعض الحالات السلبية تتمثل في تضليل المساهمين وإيهامهم من قبل بعض الشركات بتحقيق أفضل العوائد من خلال مشروع ما أو صفقة ضخمة مقبلة عليها الشركة ، فيبدأ التداول بالنشاط يصاحبه ارتفاع في سعر سهم هذه الشركة بناء على هذه الإعلانات والأخبار الجيدة التي أعلنتها الشركة، ولكن بعد مضي وقت بسيط، نجد أن المشروع الضخم والصفقة الكبيرة مجرد حبر على ورق، ولا وجود فعلياً له !! الأمر الذي يعود بالتداول على السهم إلى حاله، ويعود إلى واقعه، ويبدأ النعاس يتغلغل إليه مجدداً حتى يغط في سبات عميق.
وللأسف، فإن إدارة الشركة تعود وتعمد إلى ارتكاب الفعل ذاته بعد فترة من الزمن وبنفس الطريقة، ولكن بأساليب مختلفة.
ونجد أن الخاسر الأكبر من هذه الألاعيب هم المتداولون أنفسهم الذين ينجذبون وراء الإغراءات، ولا عجب في ذلك كونهم يبحثون عن استثمار أموالهم في أسهم تحقق لهم أفضل العوائد الممكنة. ولكن ما يعيب هذا الأمر، هوعدم وجود جهاز رقابي وأدوات تشريعية وقانونية تفرض العقوبات الصارمة والغرامات الثقيلة جراء ارتكاب مثل هذه الألاعيب، وهو ما أدى إلى ظهور كثير من التساؤلات حول كيفية تطبيق مبدأ الشفافية في سوق الكويت للأوراق المالية، وما هو المطلوب من جانب الشركات لتحقيق شفافية كاملة في البورصة.. وهل ستتضارب مبادئ الشفافية مع مصالح الشركات والمتداولين؟. مكان « طرحت هذه القضية بكل تفاصيلها على الاقتصاديين والمختصين..فكانت هذه آراؤهم :
أوضح رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "الأولى للاستثمار" محمد العلوش أن الشفافية في سوق الكويت للأوراق المالية لن تتحقق إلا بوجود بعض العناصر، أهمها على الإطلاق هو وجود هيئة سوق المال، مشيراً إلى أنها ستكون بمثابة الحكم في جميع القضايا المتعلقة بالتداول في بورصة الكويت، كما أنها ستقوم بفرض القوانين التي تساعد على جذب أنظار "وأموال " المستثمر الأجنبي ، مؤكداً أن الهيئة ستعمل على تطبيق القانون " بالمسطرة " والحزم في اتخاذ قراراتها .
ونوه العلوش بأن جميع الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ملزمة بالإفصاح عن أعمالها ومشاريعها وصفقاتها خلال المراحل المتقدمة منها، مستنكراً ما تقوم به بعض إدارات الشركات عند تعمدها الإعلان عن أخبار جيدة وصفقات ومشاريع، مستهدفة من خلال ذلك رفع أسعار أسهمها وهي في الحقيقة غير ذلك !!
وقال العلوش:" إن مسؤولية إدارات الشركات في تطبيق مبدأ الشفافية تتضمن عدم إصدار تصريحات حول مشروع ما من قبل مسؤوليها، إلا بعد توقيع عقودها، أو الوصول لمراحل متقدمة من المفاوضات".

سلاح ذو حدين
وأشار العلوش إلى أن الشفافية تعتبر سلاحاً ذا حدين بالنسبة للشركات ، مؤكداً أنها مسألة بالغة الحساسية، فيجب على إدارات الشركات إدراك وتقدير الوقت المناسب للإفصاح والإعلان عن المشروع، نظراً لأن مفاوضات الصفقات والمشاريع عادة ما تكون سرية بين طرفين أو أكثر، وبالتالي فإن الإعلان عن هذه المفاوضات ربما يحرك أطرافاً أخرى
للدخول على خط المفاوضات، وهذا ما يساعد على وضع الطرفين في موقف محرج ومعقد، ولكن بعد توقيع العقود أو الاتفاقات النهائية، فإن الشركات المعنية ملزمة بالإعلان عن هذه الأمور، خصوصاً المادية منها حتى تكون واضحة أمام المساهمين.

مشاريع وهمية ... للإغراء
من جهته، أكد رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "مجمعات الأسواق التجارية" توفيق الجراح أن هدف الإعلان عن أعمال شركة ما أصبح في الآونة الأخيرة لإغراء المتداولين للدخول على السهم وطلبه بالحد الأعلى دون وجود مبرر حقيقي يفسر هذه الارتفاعات.
وأضاف:" إن الشفافية لا تتعلق بالإعلان عن الصفقات والمشاريع فقط، بل يجب أن تشمل الأمور السلبية والعراقيل التي تواجهها الشركة في عملها، لجعل المساهمين على يقين بكل ما يدور في الشركة التي يساهمون فيها"، مستغرباً من إجراءات الغالبية العظمى من الشركات عبر إعلانها عن الأرباح، في حين لا يوجد أي شركة تعلن عن خسارة مباشرة أو غير مباشرة .
وطالب الجراح بتطبيق الرقابة الحازمة وضرورة وجود جهاز قوي في إدارة البورصة يجبر الشركات المدرجة على التعامل بشفافية، ومحاولة الكشف عن التداولات الوهمية التي تحدث لأسهم معينة تتعمد نزولها وارتفاعها لتضحك على صغار المساهمين والمتداولين.
وأكد أن وجود هيئة سوق المال بات أمراً ضرورياً ومهماً في ظل ظهور الكثير من المشاكل والأمور السلبية جراء التعامل المباشر مع إدارة البورصة التي أصبحت الخصم والحكم في الوقت نفسه.

إدارات الشركات ...نوعان
بدوره، رأى نائب رئيس مجلس إدارة شركة المخازن العمومية "أجيليتي " حسين الخرافي أن هناك نوعاً من الشفافية من قبل بعض الشركات، خصوصاً المدرجة منها وتتمثل في التقارير والبيانات ربع السنوية الصادرة عنها، والتي تعتمد من قبل مدققي حسابات من مكاتب خاصة معتمدة لا علاقة لها بالشركة، وهذا يعني أن الشركة تتعامل بشفافية، ولو بشكل بسيط مع مساهميها وإدارة البورصة .
وبين الخرافي أن مجالس إدارات الشركات تنقسم لقسمين ، القسم الأول إدارات تحترم الأمانة الموجودة لديها، وتنقل جميع المعلومات الحقيقية لمساهميها وذلك انطلاقا من احترام مساهميها، أما القسم الثاني، فهي الإدارات المراوغة ذات التصريحات الوهمية والإعلانات الكاذبة والتي تهدف إلى تضليل مساهميها عن أداء الشركة الحقيقي.
وأشار الخرافي إلى أنه من المفترض أن تكون هيئة سوق المال " المنتظرة " عند حسن ظن الجميع، من خلال شمولها على حلول لكل السلبيات التي واجهت شركات البورصة في الفترة الماضية، وللمشاكل المتوقع حدوثها مستقبلاً.

ادارة للبحث والتطوير
إلى ذلك، طالب نائب رئيس مجلس إدارة شركة "الساحل للتنمية والاستثمار" ناصر المنيفي, أن تقوم الشركات بإصدار التقارير ربع السنوية والتي تتضمن كل ما قامت به الشركة خلال هذه الفترة من مصاريف وإيرادات بأمانة، وألا تكتفي بإصدار تقارير الميزانية ربع السنوية فقط .
ولفت المنيفي إلى إن إدارة سوق الكويت للأوراق المالية يجب أن تخصص إدارة كاملة من إداراتها لتشمل أقسام البحث والتطوير بجميع ما يتعلق بالتداول في البورصة، متضمنة أقساماً لتحليل أداء الشركات خلال الربع الأول من السنة، وأقساماً لتقييم المخاطر التي تواجهها الشركات خلال استثماراتها المعلنة، وذلك لكل شركة مدرجة وجميع القطاعات الموجودة .
وأكد المنيفي أن الأقسام التي ستقوم بعمليات البحث والتطوير ستجد الإمكانيات اللازمة لتطوير أي أمر قد يعرقل التداول في البورصة، أو قد يعيقها في أي فترة من الفترات .
بعدما وصل عدد الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية إلى ما يفوق 200 شركة، باتت الحاجة ملحة لتطبيق مبدأ الشفافية، ليتسنى لكل متداول في البورصة أن يحدد مساره ـ دون تضليل، سواء بشكل متعمد أو غير متعمد- أي الأسهم يشتريها وأيها يبيعها-متحملاً بذلك نتائج وتبعات قراره الاستثماري.